الثلاثاء، نوفمبر 03، 2015

اشباحي

كانت تحب دائما أن تنام في هدوء وظلام وخصوصا في الاونة الاخيرة ... التكييف ومرتبة يانسن ووسادة يانسن والظلام والهدوء النسبي عناصر جيدة للنوم . في ظلمة احد لياليها الرتيبة الحزينة انتبهت علي صوت ينادي باسمها مرتان ثم يصمت ثم يكرر النداء . صوت ذكوري لا تتذكر انها سمعته من قبل . استيقظت مذعورة لا تعلم أكان ذلك حلما ام أن ابيها المسن ينادي نادته لتسأله عما اذا كان ينادي ام لا لم يرد , كان يغط في نوم عميق ثم إنه ليس صوت ابيها. لم يكن أحد بالغرفة وضوء مصابيح الشارع المنعكس بالغرفة لم تبرز اي خيال بالغرفة اصلا. عادت لتنام تالية لللقرآن بصوت مرتعش ودقات متسارعة للقلب.. ربما تكون تهيؤات من جراء المشاهدة المستمرة لقناة توب موفيز, ربما صارت أكثر حساسية من خبراتها السيئة بعالم البشر من زوج خائن ومسيط ومجتمع لا يرحم و رجل ظنت به خيرا وهروب الاصدقاء مضايقة الاهل و طمع الزملاء... في الليلة التالية أظلمت الحجرة استعدادا للنوم مترقبة تنظر حولها قبل ان تضغط علي زر النور بالغرفة وبعد ثواني ينادي الصوت نفسه مرتان ثم يصمت ثم ينادي مرتان فتفيق ملتاعة كالعادة لتجد آذان الفجر فلا تعرف هل هذا حلما ام حقيقة ... لا تعرف طريق النوم الا بعد ترديد آية الكرسي مرات ومرات . لم تكن تصدق بوجود عالم غيبي الا من صنع الانسان وحتى كتاب القصص المرعبة – في رأيها – يقتاتون من خيالهم الخصب اللذي لاعلاقة له بالواقع. لكنها قرأت عبر الانترنت ان مسح البيوت بالماء والملح يزيح الطاقات السلبية من الاماكن وكم من طاقات سلبية تعانيها وتمشي بها هي وتاخذها معها في كل مكان.. بعد ليالي عدة من هلع النداء الليلي المريب مسحت حجرتها بالماء والملح غير مصدقة ان سلطان الخوف يمكنه ان يجبرك علي فعل اشياءا لا يقبلها عقلك . مادية هي لا تؤمن الا بالوجود المادي طالما نحن نعيش علي الارض بعضنا لبعض عدو حتى الوجود الالهي في حياتها ينبع في رأيها من وجودها هي المادي . مؤمنة نعم لكن لان البشر دليل علي وجود خالق لكن مع تكاثر الاحزان أحيانا تشك في ان الاله يعاقبها لسبب لا تعرفه لكن علي اي الاحوال تظل محافظة علي ايمانها حتى يأتيها اليقين... بعد المسح بليلة واحدة يتكرر النداء لكن مرة واحدة فقط ( تري هل الملح قلل نداء الطاقة السلبية ؟ ) في تلك الليلة قامت بعد النداء لتجد آثار بكاء علي عينيها وفي الوسادة بقعة مبللة كأنها كانت تبكي وهي نائمة... مطلقة هي لاقت مصرع زواجها من جراء اكتشاف خيانات متكررة عبر الانترنت والعالم الواقعي لزوج مسيطر تقليدي في بيت لاهل غير مقتنعين بها كزوجة لابن منهم فما كان منها ان عادت رغم أنف اهلها لبيت اهلها بعد زواج صالونات مستعر من اجل سباق الزواج السنوي.. كانت هي من تنازلت بالاحلام الوردية والرجل اللذي تطمئن اليه في سبيل الهرب من لقب عانس والان هي أحسن حالا بلقب المطلقة من حيث نظرات الاقارب المشفقة ونظرات الجيران الفضولية ونظرات الرجال الجائعة ونظرات صديقاتها المتزوجات المرتابة . أغلقت علي نفسها ابواب الاتصالات بعالم قاسي لم تعد تتحمله ولم يعد لها نافذة سوي العالم الافتراضي وياليتها ما فتحته... صار الدخول للغرفة للنوم كابوسا يؤرق نهارها وخاصة ان أبيها المسن ينام كثيرا وينام مبكرا ولا يهتم سوي بوجودها بالبيت بعيدا عن ألسنة الناس فقط لا وجودها الانساني. فكرت إنها لو ظلت منتظرة بهلع النداء الليلي ستسمعه حتى لو لم يكن له وجود فإدعت النوم وغطت وجهها بالغطاء وحاولت النوم بعد تلاوة القرآن لكن تلك المرة رأت ما جعلها تقفز من الفراش..ش....


حينما أغمضت عينيها رأت وجه رجل لا تعرفه يضع ماكياج يحملق فيها بلامبالاه وذهول في نفس الوقت وكأنه رجل بلا روح...!! قفزت ملتاعة من الفراش, لم توقظ ابيها ولم تتحدث الي احد لا لشيء الا ان تفسيرات المحيطين لاحلامها او رؤاها او اي شيء يحدث لها ليست سوي انعكاسات ترتبط بحالتها الاجتماعية .فاذا حلمت بأي برجل او امرأة او طفل سيكون التفسير عريس قادم , وان كنت متزوجة فإن تفسير الحلم سيكون مولود قريب وبالطبع فإن كنت مطلقة فإن " العدل " او " الستر " سيكون التفسير الوحيد المتاح لكل ما تحلمين به او لا تحلمين به..
قامت وفتحت التلفاز وقررت ان تشاهده حتى الصباح وإن بدت نائمة في عملها صباحا ستتجاوز هذا بمزيد من القهوة.. يداعب النوم عيناها اثناء مشاهدة التلفاز فتري علي الحائط دخانا ابيض رقيق فتتجاهله.. تشاهد فيلما من افلام الابيض والاسود التي تشعرها بالامان الاخلاقي فتسمع صدي لضحكات الممثلون داخل الفيلم تتردد وتتكرر وتعلو وتعلو حتى تكاد تصم آذانها. ضحكات تشبه ضحكات أصدقاءه حينما فوجئت بهم علي مائدة مجاورة لمائدتها معه بالكافيه التي صارت تكرهه فتحملق بذهول في ملامحه المرتبكة الباسمة متسائلة لم يضحكون وعلام يستهزئون ؟ بها ؟ تنهض لتسير مسرعة مغادرة الكافيه لتهجر عالما جميلا عاشته لأيام قليلة.. لم يدخل قلبها الا هو , لقد تجاوز كل الكمائن والحصون التي نصبتها في الطريق الي قلبها فكيف دلف ثم سقط من نظرها وأسقط معه باقي دفعة الرجال علي الارض؟!! لا تعي المسكينة عما اذا كان صوت الضحكات داخليا من داخلها ام ينبع من الفيلم ؟!! تنتبه لتجد نور شمس الشروق يدخل الي حجرة التلفاز . لا تجيد هي النوم مبكرا ومؤخرا صارت أحزان عمرها المتراكمة تزورها جميعا ليلا فصارت تكره الليل بعد ان كانت تحبه وتأنسه في صباها.. تمر أيام بلا كوابيس لانها تبقي مستيقظة حتى يغلبها النوم والارهاق . كيف يتراهن المرء علي مشاعر شخص ؟ كيف تقامر بشيء مادي علي شيء غير مادي بل لا يشتري نعم هي اشياء لا تشتري لو يعلم البشر كم يشترون الغير قابل للشراء بأبخس الاثمان لأحرقوا انفسهم ! لقد كانت خارجة لتوها من التجربة المريرة القصيرة للزواج التقليدي بلا اولاد ولا مشاعر سوي المرارة من جراء الفشل. وعزلت نفسها ورضيت بالاسئلة التي لم تجد لها اجابات ؟ لمائا لم تحظي بدفء الاسرة او الصحبة الجيدة ؟ لماذا لم يرزقها الله بالزوج الصالح طالما هي صالحة ولم تؤذ شخص ولم تخدع احد ولم تسلم نفسها لاحد ؟لماذا تركتها امها وهي صبية مسئولة عن أخ صغير وأب كبير ورحلت الي دار الحق لتتركها بدار الضلال ؟ لماذا يفضل الاخ الصغير زوجته و اصدقاءه عنها وعن ابيها ؟ لا يسأل عنهما الا كل بضعة أشهر حينما يكون هناك احتياج مالي.. اراد هو ان يتحدي الصد والحاجز الخشن التي تضعه هي لزملاؤها الرجال كمطلقة خائفة ومصدومة وضعيفة حتى لا تصدم مرة اخري ودلف لها باصرار عبر عالم الانترنت التي لم تجد نفسها سوي فيه... وحينما ارتاحت له وقررت بعد تردد ان تقابله وظنت ان به العوض وان السماء تصالحها به وجدته هو نفس ذات الزميل المحترم اللذي تراهن علي كسب حبها مع زملاء اخرين!! فيلم قديم لكن يتجدد في كل عصر وبأساليب مختلفة .. لماذا لم يتركها لحالها ؟ لم تكن جميلة حتى لتستفزه ؟ لم تكن لتؤذي أحد في حياتها أصلا... تتقلب في سريرها مرة اخري لتجد صبية صغيرة جالسة علي حافة السرير تشاهدها وهي نائمة تفيق مذعورة ؟! تحاول التركيز في وجه الصبية لتجدها تشبهها تماما كأنها هي نفسها ولكن في صورتها وهي صبية صغيرة... !!! وجدت نفس البقعة المبللة بدموعها في وسادتها... تريد الصراخ لكن لا تقوي , تفكر هل لو لم تقرر مقابلة الحبيب الغدار والزميل المتنكر لم تكن احزانها لتتكثف بهذا الشكل؟ كم من أنقياء تحولوا الي كارهين للبشر من كثرة ماعانوه. الاحزان تلف بها فتشعر بارض الغرفة تتحرك والسرير يتأرجح ... تذكرت كم الصدمات التي مرت بها فتسمعها تتكثف وتنادي باسمها مرتان ثم تصمت بنفس الصوت اللذي ظل يؤرقها .. كان صوت احزانها. تذكرت وجهها حينما علمت بعد ذلك بأن الرهان علي كسب مشاعرها واخراجها من حواجزها كان علي 3 كيلو كباب وكفتة من الزميل لزملاؤه من كبابجي فرحات!!! تبخرت ملامح الحبيب الغادر في وجهها ليتحول الي خراء بشكل كباب وكفتة في بالوعة الحي الفقير اللذي تسكن فيه التي تطفح شهريا من الزحف العمراني . لقد قايض السافل مشاعرها النقية الخالصة بخراء لا يبقي في البطون الا ساعات ,فمن الخاسر ومن الرابح ؟! لقد غلب البشر الابالسة ! انهم لا يتركون لها حق العزلة عن الناس !! تبخر الوجه المحلي بالخراء ليحل محله الوجه اللذي وجدته يحملق فيها تحت ظلمة غطاءها ( الرجل اللذي يضع الماكياج) .. تمسك رأسها من الدوار تنظر في المرآة لتجد وجها يشبهها ينظر لها من المرآه ولكن ببقع سوداء علي ملامحها فتدخل لتغسل وجهها لتجد من تحملق فيها من مرآه الحمام ..انها تلك الصبية التي تشبهها كانها هي التي كانت تجلس قابعة علي حافة السرير تتأملها وهي حزينة... لقد تجمعت كل أشباح حزنها.. بكت كما لم تبك من قبل وقررت أن تقهر كل هذا وتبدأ من جديد , تغير عملها او تنقل الي قسم آخر وتكون انسانة جديدة بتعاملات اخري ووربما تغير من شكلها ومن أسلوب تعاملها , ربما تفكر في تجاوز خوفها وضعفها وهشاشة روحها , ربما تتجرع إكسيرا جديدا أعطته لها أشباحها التي طالما أرقتها في الايام السالفة... فما المغزي الالهي من تعاقب الليل والنهار سوي تجدد الحياة ...