السبت، أكتوبر 16، 2010

خواطر صوت مذبوح

مدونتي
صوتي....ربنا ما يقطع لكم صوت
لا يعرف الانسان غاليا عليه الا حينما يفقده
ولا يشعر بمن يملأ عليه حياته سوي حينما ينسحب من حياته
انسحب صديق عزيز لوالدي من حياتنا ...بعد عشرة غالية كبرت وترعرعت عليها وكأنه عما آخر لي
وشقيقا لأبي
وانسحب صوتي من شرايين حنجرتي بعد نزلة برد خفيفة ...وعرفت معني أن تراقب العالم صامتا لانه ليس هناك صوتا لتصل به رسالاتك وما تفكر به
عرفت معني أن تستمع لا عن حكمة....بل عن عجز من أن لا يستمع اليك من يجلس على مقربة منك
أظل محاصرة " ليس المشكلة في ضياع صوتك لبعض الوقت...بل هناك ثمة ما يكدرك يا ..."
ألا يعرفون معني أن تفقد وسيلتك التي تصلك باالعالم ؟ ألا يعرفون معني أن تفقد الجسر الذي يجعلك تلامس العالم ويلامسك....قد يحبطك وقد يقسو عليك وقد يعرف من حولك على حسان طبعك أو زيفها أو حتى حقيقتها أي كانت

ألا يعرفون معني أن تكون طرفا صامتا في مجادلة كلها اتهامات ؟
ألا يعرفون معني أن تكون صامتا مصريا ؟؟؟ رغم صمت أبو الهول الطويل غير أن رأسه رأس انسان وجسده جسد أسد ....أي انه اسطوري غير حقيقي فلا يوجد مصري يستطيع الصمت كل هذا...
كنت في بادىء الامر أستخدم صوتي المذبوح حتى اذا كلفني استهلاك البقية الباقية المسموعة من حنجرتي...حتى ذهب تماما
وفي التكيف مسألة ربانية ولغزا يعلم معجزته خالقه....فتعودت أن أتعلم الخصال الحسنة وأن أستفاد من التجربة الصامتة التي أعيشها رغما عني....
تعودت قراءة لغة العيون....تعودت الرد المتأني....تعودت اتفكير قبل الرد حتى أوجز ما أريد قوله حتى لا تستهلك البقية الباقية من حنجرتي الواهنة
من أبناء الصمت الان .....نعم وهل سأصمت كثيرا...؟
وهل سيصمت الكثيرون طويلا أم يتخذونه درعا و واقيا ضد الباب الذي تأتي منه الريح؟؟
وهل يخافون ذبح أصواتهم ....لم أعد أخاف ذبح صوتي ....وإن حدث فسأستقبل التجربة في صمت كأنما
أستقي الهدنة والحكمة وأبغي اعتكاف الكلام لبرهه....
مم يخاف المتحدثون؟
مم يخاف المهرولون ؟
مم يخشي المتحدثون عن الحرية والمتشدقون بالاستقرار والامن والامان؟؟؟
يخشون ذبح الاصوات...يا سادة إن نزلة برد كفيلة بأن تذبح صوتك , فهل تخاف من الأقوي؟؟ إن كنت تظنه أقوي؟
صوتك العالي دليل على ضعف موقفك ؟ فهل نصمت أم نبتغ الحكمة ؟
والصوت الهادىء الرزين ؟؟؟
تري ماذا يجر الصمت ......
الرصاص بالجيوب
بدور في النفوس
نار تحت الرماد
نار بالقلوب تنتظر قشة
يخالني الصمت كجبل يتهدج بل ويمل ليضرب بعرض الحائط جملة " صمت الجبال"
وربما تنكث القبور بوعودها ....وتكسر صمتها يوما


الاثنين، أكتوبر 04، 2010

ذكريات اكتوبر

بدا النوم ثقيلا في جفنيه بعد سهرة أمس , فقد كانت فريدة غاية في اللعب و اللهو والتألق فباتت تلهو وتلعب حتى استنفذت طاقته وطاقة الام والجدة أيضا...

جفنه متثاقل واليوم عطلة نصر أكتوبر العظيم....

لا يعي من هذا النصر سوي حكايات وحواديت ...فقد كان وقتها صبي تشغله الألغاز و اللعاب الصبيانية , في تلك الحقبة كان الاب غير متواجد ولم يكن يحكي عن الجيش مع أسرته وكانت الام هي همزة الوصل بينه وبين أخيه و الأب...كان وأخيه يدركان مدي حرج منصب أبيهما , وبالتالي لم يشعرا بأنهما كأي صبية كانا يشعران بأنهما من الصفوة وليسا كأبناء أية أسرة ....

بعد الافطار و اللهو بالابنة الجميلة دخل إلي مكتبه ليبحث عن كتاب عن حرب أكتوبر لا يعلم ما لذي دفعه ليستحضر روح أكتوبر رغم انه شهد عشرات أعياد أكتوبر ولم يفكر في استطلاع أي شىء عن أسرار تلك الحرب ولا كواليسها....اليوم فقط أراد أن يتطلع عن بعض منها...

وجد كتابا للأستاذ هيكل وبينما هو منهمك في القراءة –رغم انه لا يهواها – فإذا بالمكتب يقل ضوءه تدريجيا وكأنه تحول ألي كهف ويضيق المكان وكأنه تحول إلي كهف بلا باب....

في أحد الأركان يبزغ ضوءا ساطعا ليلقي انعكاسا على جسد انسان طويل القامة ذو عيون نفاذة تنفذ إلي أعماقك وتصيبك بالرهبة عند النظر اليهما

إنه الرئيس الراحل جمال عبد الناصر ينظر إليه ضاحكا بعيون براقة واسعة كعهده سائلا :

" انت بأة جيمي " ....

يتردد قائلا محاولا أن يبتلع ريقه بصعوبة فلا يعرف فيومىء برأسه ايجابا.

" يكون في علمك مصر دي مش عزبة ولا عمرها كانت عزبة , وكل اللي كانوا فاكرينها عزبة راحوا وهي فضلت زي ما هي..."

تنتاب جمال شجاعة مفاجئة ليقول :

" هي مش عزبة وكل واحد من حقه انه يسعي لتحقيق اي طموح بيها , ايه المشكلة انت لو مكنتش توفيت كان زمان بأة فيه كلام عن خالد عبد الناصر رئيسا انطلاقا من شعبيتك الطاغية وحصلت في بلاد عربية تانية أكيد عارفها....بلد انت بتحبها أوي كمان...."

يظهر الغضب بالعيون الناصرية المميزة نافيا بشدة : " عمري ما دخلت أسرتي في السياسة والى الان عملوا بوصيتي ولم يدخلوها..."

يسمع تنحنح قادما من الركن الآخر بالحجرة فيظهر ضوءا خافتا نسبيا لينعكس على قامة ممشوقة أقل من نظيرتها بالركن الناصري...

يتدخل الرئيس السادات قائلا :

" محدش فينا يجرؤ يعمل اللي بيتعمل دلوقتي دة لا أنا ولا عمك جمال فكرنا في كدة , إحنا يابني خايفين عليك ....إنت مش أد مصر...ولا شعبها"

يقطب جمال جبينه غاضبا : " ترتدون اليوم عباءة الناصح وكل منكما له أخطاءه القاتلة , القدر فقط هو الحائل بين توريث ابنائكما قطعة من مصر فلا تتدعا الملائكية..." يهم بالخروج من الحجرة....

لكن يستوقفه جدال بين الركنين الساداتي والناصري يعلو فيها الصوت الناصري و ينخفض الصوت الساداتي احتراما واجلالا للزعيم....

ينظران له خارجا محذرين.... " لا تمض في طريقك يا بني ...لا يغرك بالدنيا والزعامة الغرور...."

يصيح مسكتا إياهما ليجد نفسه ما يزال نائما فيفتح عيناه مندهشا ليجد وجه ابنته تضحك له بكل براءة عالم الاطفال ....يود أن يعود طفلا يوما...