الثلاثاء، يونيو 14، 2016

الامير طاز

علي مساحة فدانين او اكثر في المنطقة مابين القلعة والسيدة زينب رضي الله عنها تجد قصر منيفا تتمني لو كان الزمن يبتسم لك فيهديه لك ليالي قليلة...
كل حجر ينطق ان بلادك باقية رغم زوال الجميع وصعود امم وزوال امم , لتشعر بالفخر بدلا من كوميكس الفيس البوك التي تحض علي الهجرة وعدم الانتماء للبلاد لان بها مايعطبها..
تلك الافكار التي تزرع ولا احد يلتفت لها ...
انه قصر احد المماليك الامير سيف الدين طاز المعروف لدي بعض سكان المنطقة من البسطاء ( الامير طارق ) !!!
يقع في منطقة الصليبة وهي منطقة ملحقة بالسيدة زينب  بطريق القلعه وبالقرب من مسجد اثري آخر ابن طولون..
يحيط القصر العشوائيات والبيوت الزاحفة منذ السبعينيات حيث الزحف العمراني من الريف المهاجر للزراعة -  الي المدينة باضواءها وصخبها وضيقها وثقافتها الاستهلاكية..
لا يعي سكان المنطقة سوي أن لهم متطلبات من المياه والمتطلبات الاستهلاكية الخالية غالبا من المعاني –غير مكترثين بالقيمة التاريخية للقصر ولا مابه , غير مستمتعين بجمال القصر والعبق...
أتجول بالشوارع المحيطة تائهة هائمة لا اعرف أين يقع الطريق فيدلني اهل المنطقة الودودين بطبعهم  فيتراءي لي ان شكلي غريب عن اهل المنطقة فيستنتجون أنني ربما انتمي لاهل زوار قصر الامير طاز...
أصل لاجد بوابة لا يستطيع غلقها رجل واحد بل ثلاثة في الوزن والحجم والقيمة...
يبدو البوليس والموظفون مظهرا غريبا عن القصر وأحجاره الآسرة , أهيم واتجول سلالم الحرملك , باحة يطل عليها الحرملك من اجل الضيوف اسطبل مهمل ملحق , مئذنة متهالكة و خشب بغدادي فريد بحالته البهية الآسرة في كل النوافذ الشاهقه حجرات فسيحة كأن من يبنيها كان يدنو من براح الهرم فحجرة واحدة من هذي تبني في المسافة الزمنية لبرج من الابراج الاستهلاكية المبتلين بها نحن الان في الضواحي المنكوبة مثل امبابة وصفط اللبن وفيصل وعين شمس ...الخ
اتجول واتنسم عبق  التاريخ في السبيل المهجور اللذي في زمن كان يموج بمياه نقية لم تتلوث بعد ولم يقف في وجهها أي سد...
لازلت أهيم يحيط الهدوء في ركن مهجور بالدور العلوي حيث تيار هواء بارد لا اعرف مصدره فالتكييف طبيعي في تلك البيوت من الازمنة السحيقة يعتمد علي هندسة الموقع والبناء , لازلت استنشق الهواء البارد في حين أن  درجة الحرارة المتعارف عليها في تلك الليلة 38 درجة مئوية ...
وجدت حماما حديثا فدخلت لألبي نداء الطبيعة فسمعت مشاجرة منخفضة الصوت علي مقربة من احد الحجرات فصعدت الي السلم المهجور اللذي لا يبدو ان لا احد بالمكان من اين اسمع تلك المشاجرة التي بدا لي انها بين رجل وامرآتان ,,,
الصوت يعلو وينخفض ربما لسماع خطواتي فعزمت أن لا احدث صوتا  خالعة حذائي أعزكم الله ....
فتحت الباب لأجد .....



يا الهي !!!!


وجدت رجلا لا ينتمي بزيه لزماننا هذا جالسا علي كرسي لا ينتمي الي زماننا .
هو أسمر يرتدي غطرة بيضاء قديمة لكن نظيفة وصندل حديث يشبه مانرتديه الان , تمسك في عنقه امرأة مسنة ترتدي ملابس براقه غريبة وتحاول ان تحميه فتاة أخري جميلة تبدو عليها إمارات العز والارستقراطية لكنها أيضا ترتدي مثل نساء حلقات الف ليلة وليلة ..
فزعوا لفتحي بابهم بصعوبة رغم ان الباب كان ثقيلا وبه من التراب ما يعيق انه قد فتح قبل ذلك...
نطق الرجل : " من انت ؟
لم تعيرني المسنة اهتمام وظلت تمسك بتلابيب الرجل بينما قالت المرأة الجميلة
قد تكون احد الاشباح الساكنين للقصر...!!
قالتها باستعلاء وكأنها " متعووودة " وسط دهشتي واصفرار وجهي ؟
هل هذا فيلم
the others?
استمرت المعركة :
المسنة : انت الان بين يدي وقد ضعفت وجئت لي من دمشق , لقد اشتريت بيتي بثمن بخس لتقيم قصرك المنيف وهأنت الان بين يدي وقد ظللت أعيش بالقصر الخاص بك حتي بعد ان سكنته الاشباح ومنهم تلك العفريتة ؟
نعم أنا العفريتة المشار اليها...
نظر لي مليا وقد بدا شاحبا وبعينيه اثار كحل غريب يسيح علي جيوب عينيه...
القي السيدة جانبا وأتي لي متعرجا  ونظر مليا وانا اردد سلاما قولا من رب رحيم
وكأن بنظره شيء فأيقنت انه لا يري جيدا
فمسكت به المسنة مرة اخري تجره اليها فينهرها بأنه الامير طاااااااااااااااز
وان عليها التحلي بالادب
طلبت المرأة الجميلة مني ان انصرف  الي اصدقائي الاشباح , بينما طلبت  مني المسنة أن أحكم بينهم
وهنا طار صوابي وشعرت برعشة ممزوجة بدوخة لكنني تماسكت وطلبت معرفة ماحدث
المسنة تريد حق بيتها اللذي تهدم وشيد الامير طاز مكانه هذا القصر الجميل و المرأة الجميلة هي خوند زهره زوجته وابنة  الناصر قلاوون احد امرا مصر الحبيبة وهو الامير طاز ساقي السلطان قلاوون اللذي تحول الي  احد الامراء وقد مرت حياته بعدة مؤامرات منها انه عزل اكثر من مرة وعاد ثم ذهب الي حلب وعزل من نيابتها ومات هناك شريدا بالسجن فسألته ماذا اتي بك الي هناك يا سيدي ؟ ( احاول مخاطبتهم بنفس لغتهم  حيث اتهموني انني من العجم في اول الامر )
فاجابني بأن حلب قد امتلات اشباحا دموية فخاف واتي الي حيث قاهره المعز احب المدن لقلبه ....
فحزنت لاشباح حلب التي يقصد بها ضحايا الصراع السياسي الحالي هناك ولم اعي كيف اخطره انهم هم الاشباح وان ماحدث بعد ذلك يصعب علي ذكره وحكيه لهم فصمتت وعزمت ان اقول له :

يا أميري نعم اعلم انك تحب مصر لكنك كنت ظالما ولم تحب شعبها , تركت لنا تراثا وتاريخا نفخر به لكنك ظلمت ولم تكن خير زعيم لمصر وقد أتي بعدك كثيرين منهم ظلموها دون قصد ومنهم ظلموها بقصد وبأنانية وقد قمنا نحن "الاشباح "-بعد قرون من احتلال واستقلال وثورات وانقلابات - بثورة ثم ثورة اخري لتصحيح مسار الثورة الاولي ولا اعلم عما اذا كان هناك ثورات اخري ام لا  لاننا نبحث عن العدالة والكرامة التي منعتوها عن الشعب لقرون
يا اميري لقد بقيت مصر وستبقي وانتم زائلون
وسنظل نحن الاشباح علي عزم باكمال مانراه لمصلحة  مصر ....

 


ليست هناك تعليقات: