الأربعاء، فبراير 25، 2015

عم ابراهيم

منذ الطفولة وانا أشاهده , يبتسم لي في مع تكشيرة محببة مصحوبة بضحكة متأنية وتأمل قائلا ...شبه ماما
وكانت امي تبتسم له شاكرة فتستطرد لا لا شبه ابوها فيقول وماله النساء قادمون فيه احسن منهم
وتمر السنون واكبر وابدأ في الانفصال الفعلي والمذهبي للشراء عن أمي فأحرص علي المرور من امام محله حتى لو لم ارد شراء شيئا حتى اطل عليه وألقي نظرة عابرة
مع الوقت  بدأ ايقاعه يبطء ومع الوقت بدأ ايقاعي يسرع , اوقات أمر وفي اذني سماعات الموبايل فينظر لي بامتعاض " ودانكم ياولاد حرام عليكم " ء
احيانا كنت أمر لأطمئن عليه فقط دون أن أريد شيئا من محله ,...ء
في يوم مررت لأجد المحل مغلقا ظننت ربما يرتاح ..وتكررت مشاهدتي لباب المحل مغلقا فتوجست..ء
سألت  فقيل لي مريضا وطريح الفراش  وحزنت كما لم احزن حتى علي شخص من دمي ودعوت ان ينجيه الله , وتألمت اكثر حينما عرفت ان الرجل لم يتزوج وليس له اولاد , لذا كان دائما وحيدا يستمع الي الست او الراديو التقليدي  قارئا للصحف او متأملا
علمت ايضا ان له مؤهل عالي وان لديه عائلة كبيرة برجوازية كافح الاب صاحب المحل ليعلم اولاده فخرجوا للحياة بإرث ناصري   منهم ضباط وموظفين حكوميين كبار ومهندس وكان هو احد الموظفين الحكوميين اللذين لديهم محل مع وظيفته الميري
ملامحه الاوربية السمات وعيناه الزرقواتان التي هرمت مع مرور الزمن تدهشني كيف لم تتهافت عليه السيدات وخاصة الشرقيات السمروات وكيف لم يستغل ملامحه وكيف ان لهجته الآمرة دائما والحازمة تجعله يشخط في زبائنه فيبتسمون وكيف ان صوته ونبراته الحادة تجعل منه ضابطا ذو منصب مرموق بالدولة او رئيس لاحد قطاعات الهامة بوزارة المالية مثلا
تذكرت كل هذا وتأملت  ودعوت بالشفاء لعم إبراهيم...عم ابراهيم ليس من دمي ولكنه يمثل لي صمام أمان للمصريين  والدنيا التي لازالت بخير
لا اعرف لم أحرص علي القاء نظرة علي المحل حين المرور للاطمئنان علي وجوده بالدنيا رغم هرمه ولا اعرف ايضا لم اشعر بقلق وتوجس حينما كان المحل مغلقا
وكأن بابا هاما للزمن قد أغلق...
وددت لو زرته وتحرجت فهو لا يعرف سوي ملامحي ومع هرم نظره الضعيف اصلا ربما لا يتذكرني
وأخيرا وجدت المحل مفتوحا يوما فهرولت اسأل وجدت شابا ...من هذا ؟
لم اتحرج وسألت عن عم ابراهيم فأجابني عيان شوية وهيرجع فتصنعت السؤال عن أي سلعة اعلم انها غير موجودة
وجدت بعد اسبوع عم ابراهيم  جالسا في المحل ومعه نفس الشاب يناوله وقد بدا مرهقا لكن محتفظا  بصوته الامر الناهي , ازدحم المحل بالسائلين حتى المنافسين
وكانت اجابته بلكنة قديمة آمرة ( الله يحفظكم ) كنتوا فاكرييني هموت ربنا قال لا مش عايزك دلوقت
واحنا تحت امره الحمدلله....فلسفته عميقة دائما
احيانا كان ينهرني حينما استعجله لبطئه فأضحك واقوله براحتك فيستطرد  جيلكم عمره ماهيستمتع بحاجة  طول ما نتوا بتجروا
ثم يودعني غاضبا يالا اجري...ء
اتحمل لهجته الامرة ويتحملها الجميع لسبب مجهول ...ء
لم يرض ابدا منذ ثلاثون عاما ان يرتب محله وتكاتف الجميع حتى يرتبوه فكان كلما رتبه له احد متطوعا يعيد له فوضاه وهو يبحث عن بضاعة او سلعة يريدها فيبحث وكأنه عسكري  شرطة لديه امر بتفتيش المحل
ايام الثورة كنت حريصة ان أزوره لاعرف رأيه في الثورة فأجده ناعسا وكالمعتاد أوقظه " عم ابراهيم ..." وحزنت حينما  ردد
ثورة ايه جتكم خيبة هتتسرق منكم....ء
كل اراء الفلولية تمثل لي كما مهملا ورأي عم ابراهيم يمثل لي  كما آخر بل وكيفا أيضا..ء
عند التمرد  عرضت عليه ورق تمرد كما كنت أمر  وجدته متمردا  وموقعا وقال لي بصوته الذي يشبه صوت الفنجري لكن بشكل احلي
" مضيت طبعا دي ناس هتودينا في  داهية "...وهو الان بطبيعة الحال من المشجعين
ويطالب بالصبر واننا شعب لا يعمل وينتظر الفرج دائما
دائما تنتهي محادثته معي بغضب  " احنا شعب  مش  سهل يتغير بسهولة الصبر بأة ...

دائما وابدا لظهوره كاريزما خاصة , كنت عابرة كالمعتاد من امام محله وكان صبي المحل الذي يقع امامه  يصيح غاضبا في صبية المحل الذي بجانب محل عم ابراهيم
لانها ترفع صورة السيسي قبل انتخابه  , كأية مناقشة سياسية بين مصريان كان الصبي يصيح غاضبا وهي تغيظه بالصورة
فما كان من عم ابراهيم الي ان سار بخطوات بطيئة متعبة وثابتة وخرج عن محله ليصيح بصوته الآمر المميز
انت ياحشاش ياتاع النسوان تناصر الدين والاخوان بتوعك ....امشي يالا من هنا قليل الرباية
فوجم الصبي مندهشا وهم بالرد فزجره الجميع لينسحب متذمرا
فيظل عم ابراهيم وكأنه هتلر مخاطبا في جمهوره وفي الحقيقة كان اقرب الشبه شكلا لجورباتشوف , وتقمص دور الخطيب المفوه زاعقا
شعب مش منضبط يجب ان يتعلم الانضباط من جديد

اختلف دائما مع عم ابراهيم لعدائه للحرية وحرية التعبير وفكرته الغريبة عن الحرية لكنني لا املك سوي ان اطمئن علي وجوده وان محله مفتوحا  وانه
كعادته يجلس ممسكا بالصحيفة لكنه نائما او يحاول بيع سلعة لشخص يتحمل بطئه وشخطه فيه
هو هذا الشخص الذي تختلف معه ولا تختلف عليه .. 
حبيبي يا عم ابراهيم...

ليست هناك تعليقات: